اعلان

الأحد، 22 يوليو 2018

الأحد، 22 يوليو 2018

المذهب الشافعي

تعريف


الشافعية أو المذهب الشافعي أو الفقه الشافعي اشتهر هذا المصطلح منذ البدايات المبكرة لنشوء المدارس الفقهية السنية المختلفة، لكنه بالتأكيد ظهر في حياة الإمام محمد بن إدريس الشافعي (150-204 هـ) الذي ينسب إليه المذهب الشافعي.

ويعتمد المذهب الشافعي في استنباطاته وطرائق استدلاله على الأصول التي وضعها الإمام الشافعي بشكل عام، لكن ليس بالضرورة أن تتوافق آراء المذهب الشافعي مع آراء الإمام الشافعي نفسه، بل قد يكون المذهب استقر على ورجّح خلاف ما رجحه الشافعي، لكن الأصول وطرائق الاستدلال واحدة.

ومما يُذكر أن الإمام الشافعي يُعد أول من دوّن كتاباً متكاملاً في العلم المعروف بأصول الفقه وذلك في كتابه الشهير الرسالة، كما دوّن كتباً أخرى منها: (الحجة) وهو الكتاب الفقهي الذي دوّنه أولاً في العراق ثم أعاد تأليفه وغير مذهبه في بضع عشرة مسألة فقهية فيه عندما سكن القاهرة وسمى الكتاب (الأم).

أصول الاستنباط العامة في المذهب


وهو ما يعبِّر عنه أيضاً بـ: "أصول مذهب الإمام الشافعي". يُعد الإمام الشافعي أول من صنَّف في أصول الفقه، ورسالته التي ألفها في هذا العلم هي أول مصنف فيه وصل إلينا؛ وبهذا يكون الشافعي قد انفرد بتدوين أصول مذهبه؛ فكفى أتباعه العبء الذي تحمَّله غيرهم، باستنباط أصول مذاهبهم من فروعهم، وقد رتَّب الشافعي أصول استنباطه، وتحدَّث عنها بالتفصيل وأجملها في أكثر من موضع من كتابيه: (الرسالة) و(الأم). يقول الأستاذ علي الخفيف: "وقد امتاز مذهب الشافعي بأصوله التي ذكرها صاحبه، ففصَّلها وناضل عنها في كتابيه (الأم) و(الرسالة)؛ التي وضعها في هذا الغرض، فكانت أصولاً لمذهبه مقطوعاً بها غير مظنونة؛ مرويَّة عن الشافعي نفسه، غير مستنبطة من النظر في مذهبه".

فمن أقوال الإمام الشافعي الدالة على أصول مذهبه

قوله في كتابه (الأم): "إنما الحُجَّة في كتاب، أو سنة، أو أثر عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أو قول عامة المسلمين؛ لم يختلفوا فيه، أو قياس داخل في معنى بعض هذا".
وقال أيضاً: "والعلم من وجهَيْن: اتباع أو استنباط. والاتباع: اتباع كتاب، فإن لم يكن؛ فسنة؛ فإن لم تكن؛ فقول عامة من سَلَفَنا لا نعلم له مخالفاً؛ فإن لم يكن؛ فقياس على كتاب الله جل وعز؛ فإن لم يكن؛ فقياس على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإن لم يكن؛ فقياس على قول عامة من سَلَف لا مخالف له".
إذاً؛ فالأصول الفقهية للمذهب الشافعي خمسة؛ وهي على الترتيب:

الأصل الأول: القرآن


فالقرآن عند الشافعي هو أصل الدين، والمصدر الأول للتشريع؛ فقد قال: "فليست تنزل في أحدٍ من أهل دين الله نازلة إلا وفي كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها". وقال أيضاً مُبيِّناً: "وليس يُؤمر أحدٌ أن يَحكُم بحق إلا وقد علم الحق، ولا يكون الحق معلوماً إلا عن الله نصاً، أو دلالة من الله؛ فقد جعل الله الحق في كتابه، ثم سُنة نبيه صلى الله عليه وسلم؛ فليس تنزل بأحدٍ نازلة إلا والكتاب يدل عليها نصاً أو جملةً".

الأصل الثاني: السنة


لكنه مرة يجعلها في مرتبة واحدة مع القرآن؛ فيقول: "العلم طبقات شتَّى: الأولى الكتاب والسنة إذا ثبتت...". ومرة يجعلهما مرتَبَتَيْن؛ فالأولى: الكتاب، والثانية: السنة؛ فيقول: "...والاتباع: اتباع كتاب؛ فإن لم يكن؛ فسنة...".

والظاهر أنه إنما أراد بيان أن السنة مُبيِّنة للقرآن ومفصِّلة له، وهكذا تكون مع القرآن في مرتبة واحدة، أو هما في مرتبة واحدة من حيث وجوب العمل بهما، وفي مَرتبتَيْن من حيث الرجوع إليهما.

وكان الشافعي يرى أن وجوب قبولنا للسنة إنما هو بما فرضه الله في القرآن من طاعة الرسول ، فيقول: "وقد فرض الله في كتابه طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم والانتهاء إلى حُكمه؛ فَمَن قَبِلَ عن رسول الله؛ فَبِفَرض الله قَبِل".

وقد تصدَّى الشافعي للرد على فئات ثلاث تَنْتَسب إلى الإسلام، ويجمعها إنكار حُجِّيَّة السنة؛ أما الطائفة الأولى: فقد أنكرت حُجية السنة كلها، وأنكرت الطائفة الثانية ما زاد منها على القرآن،

وأنكرت الطائفة الثالثة حُجية أخبار الآحاد، أو أخبار الخاصة كما يسمِّيها الإمام الشافعي.

ولقد قرَّر الإمام الشافعي بمدى مقياس صدق الرواية، وقبولها عنده في قوله: "لا تقوم الحُجَّة بخبر الخاصة حتى يَجمَعَ أموراً؛ منها: أن يكون من حَدَّث به ثقة في دينه، معروفاً بالصدق في حديثه،

عاقلاً لما يُحدِّث به، عالماً بما يُحيل معاني الحديث من اللفظ. وأن يكون ممن يؤدي الحديث بحروفه كما سمع؛ لا يُحدِّث به على المعنى؛ لأنه إذا حدَّث على المعنى -وهو غير عالم بما يُحيل معناه- لم يَدْرِ؛ لعله يُحيل الحلال إلى حرام،

وإذا أدَّاه بحروفه؛ فلم يبق وجهٌ يُخاف فيه إحالته الحديث. حافظاً إذا حدَّث به من حفظه، حافظاً لكتابه إذا حدَّث من كتابه. إذا شَرِكَ أهل الحفظ في الحديث وافق حديثهم. بريَّا (يعني أن يكون بريئاً)

من أن يكون مُدلِّساً يُحدِّث عن من لَقِي ما لم يَسمع منه، ويُحدِّث عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يُحدِّث الثقات خلافه عن النبي صلى الله عليه وسلم. ويكون هكذا من فوقه ممن حدَّثه حتى يُنتَهَى بالحديث موصولاً إلى النبي أو إلى من انتهى به إليه دونه؛ لأن كل واحد منهم مُثْبِت لمن حدَّثه، ومُثبت على مَن حدَّث عنه؛ فلا يُستغنى في كل واحد منهم عمّا وصَفْت".

وكان يقول: "متى عرفت لرسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً، ولم آخذ به؛ فأنا أٌشهدكم أن عقلي قد ذهب".

الأصل الثالث: الإجماع فيما ليس فيه كتاب ولا سنة


فقد قرر الإمام الشافعي أن الإجماع حُجة، ويأتي في المرتبة الثالثة بعد الكتاب والسنة، واستدل على ذلك بقوله تعالى: وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا .

ومن قوله في تقرير هذا الأصل على الترتيب المذكور: "والعلم من وجهين: اتِّباع، واستنباط. والاتباع: اتباع كتاب؛ فإن لم يكن؛ فسنة؛ فإن لم تكن؛ فقول عامة من سَلَفَنا لا نعلم له مخالفاً".

وسُئِل الإمام الشافعي في سياق طويل ناقش فيه الإجماع: "قال: فهل من إجماع؟ قلت: نعم؛ نحمد الله، كثيرٌ في جملة الفرائض التي لا يَسَع جهلها، وذلك الإجماع هو الذي لو قلت:

أجمع الناس لم تجد حولك أحداً يعرف شيئاً؛ يقول لك ليس هذا بإجماع. فهذه الطريق التي يُصَدَّق بها من ادعى الإجماع فيها، وفي أشياء من أصول العلم دون فروعه، ودون الأصول غيرها". وقال أيضاً: "لست أقول - ولا أحد من أهل العلم -:

"(هذا مجتمعٌ عليه)؛ إلا لما لا تَلْقَى عالماً أبداً إلا قاله لك، وحكاه عن من قبله؛ كالظهر أربع، وكتحريم الخمر، وما أشبه هذا".

الأصل الرابع: قول الصحابي إذا لم يُعْلَم له مخالف


وهو حُجة عنده إذا خَلَت المسألة من كتاب أو سنة أو إجماع. قال الإمام الشافعي في كتاب الأم: "ما كان الكتاب والسنة موجودين؛ فالعُذر عمَّن سَمِعَهُما مقطوعٌ إلا باتباعهما، فإذا لم يكن ذلك صِرْنا إلى أقاويل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو واحدٍ منهم، ثم كان قول الأئمة أبي بكر، أو عمر، أو عثمان؛ -إذا صِرْنا فيه إلى التقليد- أحب إلينا،

وذلك إذا لم نجد دلالة في الاختلاف تدل على أقرب الاختلاف من الكتاب والسنة؛ فنتَّبع القول الذي معه الدلالة". ثم قال بعد ذلك مُعللاً: "لأن قول الإمام مشهورٌ بأنه يلزمُه الناس، ومن لزم قوله الناس؛ كان أشهر ممن يفتي الرجل أو النفر، وقد يأخذ بفتياه أو يدعها، وأكثر المفتين يفتون للخاصة في بيوتهم ومجالهم، ولا تُعنى العامة بما قالوا؛ عنايتَهم بما قال الإمام".

فهذا الأصل عنده يأتي بعد الأصول الثلاثة المتقدِّمة، وهو مُقدَّم على القياس؛ كما دل عليه قوله في كتابه الأم: "إنما الحُجة في كتاب، أو سنة، أو أثر عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم،

أو قول عامة المسلمين؛ لم يختلفوا فيه، أو قياس داخلٍ في معنى بعض هذا". لكنه عند اختلاف الصحابة يأخذ بأقرب أقوالهم إلى التنزيل، ثم إلى القياس؛ قال الإمام الشافعي: "نَصِير منها إلى ما وافق الكتاب، أو السنة، أو الإجماع،

أو كان أصحَّ في القياس". وقال أيضاً: ولو اختلف بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في شيء؛ فقال بعضهم فيه شيئاً، وقال بعضهم بخلافه؛ كان أصل ما نذهب إليه أنَّا نأخذ بقول الذي معه القياس".

الأصل الخامس: القياس


وهو في المرتبة الخامسة؛ فقد قرر الإمام الشافعي أن الفقيه حين لا يجد شيئاً من المصادر السابقة؛ فإن عليه أن يجتهد في تعرُّف الحكم الشرعي. و(الاجتهاد) و(القياس): اسمان لمعنى واحد.

يقول الإمام الشافعي: "كل ما نَزَل بمسلم ففيه حكْمٌ لازم، أو على سبيل الحق فيه دلالة موجودة، وعليه إذا كان فيه حُكْمٌ-: اتِّباعُه، وإذا لم يكن فيه بعينه طَلَب الدلالة على سبيل الحق فيه بالاجتهاد. والاجتهاد القياس". وقال موضحاً مرتبة القياس من الأدلة:

"وجِهَة العلم بعد الكتاب، والسنة، والإجماع، والآثار: ما وصفت من القياس عليها".

ولبيان ترتيب الأدلة -على ما سبق ذكره- من قول الإمام الشافعي ما نصُّه: "والعلم طبقات شتَّى: الأولى: الكتاب والسنة إذا ثَبَتَت السنة. ثم الثانية: الإجماع فيما ليس فيه كتاب ولا سنة. والثالثة:

أن يقول بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولا نعلَم له مخالفاً منهم. والرابعة: اختلاف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك. والخامسة: القياس على بعض الطبقات، ولا يُصار إلى شيء غير الكتاب والسنة، وهما موجودان، وإنما يؤخذ العلم من أعلى".

وقد عقد الإمام الشافعي في الجزء السابع من كتابه الأم فصلاً تحت عنوان: (كتاب إبطال الاستحسان)؛ أقام فيه الأدلة المتتالية من القرآن على أن الله أوجب اتِّباع كتابه ونبيه، وأنه أكمل الوحي قبل أن يموت نبيه،

فلا يجوز للناس أن يحكموا إلا على ما حسب يُظهره الله لهم من أحوالهم؛ دون ما قد يَجوس بقلوبهم من ظنٍّ بباطنهم. والذي قصده الإمام الشافعي إنما هو الاستحسان بقصد التشهِّي والهوى، وهذا لم يختلف الأئمة الأربعة في ردِّه ورفضِه؛

إذ ليس الاستحسان الذي يَعمل به الفقهاء شيئاً من ذلك، بل هو عملٌ بدليل من الأدلة؛ فهو إمَّا ترجيح دليل على آخر بمُرَجِّح، أو استثناء من أمر كلي بناءً على دليل، وغير ذلك. والذي يظهر أن الإمام الشافعي لا يَعُدُّ غير ما ذُكِر من الأصول أساساً للتشريع على ما وُصِف بيانه سابقاً؛

وذلك كالعمل بالمصالح المُرْسَلة، والاستصحاب، والعُرْف، وإن كان يرى العمل بها في استنباط الأحكام الشرعية

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ Yallamax - يلا ماكس 2018 ©